قوة الخدمة
صفحة 1 من اصل 1
قوة الخدمة
إن قوة الخدمة تكمن في عمق تأثيرها ، و ليس في كثرة المخدومين .
ليس المهم عدد السامعين ، بل عدد التائبين منهم .
نعم ، قوة الخدمة ليست في عدد التلاميذ ، إنما في عمق الإيمان الذي فيهم ... إن العظة قد يسمعها عدد كبير من الناس . و لكننا لا ندري كم هم الذين تأثروا بها ، و كم هم الذين حولوا هذا التأثير إلي حياة . و تحسب قوة العظة بمقدار الذين حولتهم إلي الحياة مع الله .و اجتماع الخدام لا تحسب قوته بعدد المحاضرات أو الخدام الحاضرين .
إنما قوة إجتماع الخدام هي في عدد ما ينتجه من المكرسين .
و الكنيسة التي لا تقدم مكرسين للخدمة ، أو للكهنوت أو للرهبنة ، بلا شك خدمتها ضعيفة . لأن الخدمة القوية هي خدمة ولود .. و هناك ملاحظة ، و هي أن الخدمة قد لا تاتي بنتيجة سريعة !
و لكنها لابد أن تأتي بنتيجة ، و لو بعد حين ...
القديس بولس الرسول بكل عظمته الروحية ، و بكل قوته في الخدمة : لما تكلم في اثينا عاصمة اليونان استهزأوا به ، و تهكموا عليه قائلين " ماذا يريد هذا المهزار أن يقول ؟!(أع 17 : 18 ) ... و لم يخرج بنتيجة إلا بشخص واحد هو ديونسيوس الأريوباغي الذي صار اسقفاً لأثينا فيما بعد ... و لكن ما لبثت أثينا أن صارت كلها مسيحية بعد حين . السيد المسيح كانت له خدمة عامة وسط الجموع و الآلاف . و كانت له ايضاً خدمة وسط سبعين رسولاً .
و لكن كانت هناك خدمة مركزة وسط الأثني عشر . و هذه ظهرت قوتها العظيمة في نشر الإيمان .
هؤلاء الذين لا قول لهم و لا كلام ، غلي أقصي المسكونة بلغت اقوالهم ( مز 19 ) . و علي ايديهم كان ملكوت الله قد اتي بقوة ... و معهم أيضاً كانت القوة التي عمل بها القديس بولس بحسب النعمة اللمنوحة له . هذا الذي قال " قد تعبت أكثر من جميعهم . و لكن ليس أنا ، بل نعمة الله العاملة معي " ( 1 كو 15 : 10 ) . أتذكر إنني حينما كنت طالباً في الكلية الإكليريكية ، و كانت دفعتنا خمسة طلبة ،أن وقف أحد الأساتذة في حفل التخرج و قال :
نحن لا ندرس خمسة طلبة في الكلية ، و إنما خمس مدن.
كان يعتبر كل طالب منا مدينة ، اي أنه بعد التخرج سيتكرس خادماً للرب يتولي رعاية إحدي المدن . و للأسف لم يتكرس من دفعتنا سوي طالب واحد ..نعود إلي خدمة الآباء الرسل فنقول إن خدمتهم لم تكن تقاس بعدد الذين يسمعونهم ، وإنما يقول الكتاب في ذلك :
"وكان الرب في كل يوم يضم للكنيسة الذين يخلصون "(أع 2 : 47 ) .
نعم ، الذين يخلصون ، و ليس كل الذين يسمعون ... هنا قوة الكلمة التي تفتح الطريق إلي الخلاص .. و هكذا عندما توليت مسئوليتي الحاضرة ، بدأت بتقسيم الإيبارشيات لكي يكون كل أسقف مسئولً عن منطقة محددة يستطيع فيها أن يخدم منطقة مركزة ، تكون خدمته فيها قوية و مثمرة ... و قد كان ... في القديم كان المطارنة مسئولين عن إيبارشيات واسعة جداً ، لا يقوي المطران علي رعايتها كلها . أما الآن فكل أسقف يستطيع أن يزور كل مدينة و كل قرية في إيبارشيته ،و يرعي الجميع ...
و نفس الوضع نقوله بالنسبة إلى كل كاهن فى كنيسته ....
لم يكن صالحاً أن يكون أب كاهن وحده فى كنيسته ، يقوم برعاية عدة ألاف ، يبلغون فى بضع الكنائس خمسة عشر ألفاً أو أكثر . فكان لابد من سيامة كهنة جدد فى الكنائس تتوزع عليهم الخدمة ، فيقومون بها بجدية ، يهتمون بكل فرد ويقودونه إلى حياة التوبة والنقاوة .
فليست قوة الخدمة فى عدد التابعين لك ، وإنما فى عدد الذين توصلهم إلى معرفة الله ومحبته
بعض الطوائف قد يكثر عدد الحاضرين فى اجتماعاتها ، بسبب المعونات المادية التى تقدم لهم ، بينما لا يكون الإيمان ثابتاً فى قلوبهم ، فإن توقفت المعونات ، توقف الحضور إلى الكنيسة !! فهل ندعو هذه خدمة ؟!.
وهناك كنائس تهتم بالأنشطة وليس بالروحيات !!
فتجد فى الكنيسة المشغل والمعرض لعمل السيدات ، وتجد النادى للشباب ، وبيتاً للمغتربين . وكذلك تجد بيتاً للمسنين ، مع عدد آخر من المشروعات ، دون الاهتمام بالحياة الروحية . ولكن حسناً قال الرب " وكان ينبغى أن تفعلوا هذه ولا تتركوا تلك " ( مت 23 : 23 ) .
أما الخدمة الروحية ، فهى الخدمة القوية فى تأثيرها .
بطرس الرسول بعظة واحدة فى يوم الخمسين ، قد جذب إلى الإيمان ثلاثة آلاف نفس ( أع 2 ) . وهذه القوة التى تميزت بها العظة ، كان سببها أن قائلها كان ممتلئاً بالروح القدس .
لم يقل الكتاب أن الناس تابوا نتيجة لعظته ، وإنما نخسوا فى قلوبهم وقبلوا الإيمان ، واعتمدوا . بينما وعاظ كثيرين يلقون آلاف العظات ، ولا يدخل فى الإيمان شخص واحد .....
بولس الرسول – وهو أسير – حينما كان يتكلم عن الابر والدينونة والتعفف ، ارتعب فيلكس الوالى (أع 24 : 25 )
السيد المسيح قال كلمة واحدة ، جعلت سامعها يترك كل شئ ويتبعه .
كان متى جالساً فى مكان الجباية ، فقال له السيد " اتبعنى " . فترك مكان الجباية وتبعه . ولم يقل له محاضرة فى التكريس ، وإنما كلمة واحدة ، ولكنها قوية فى تأثيرها وفى روحها جعلته يترك كل شئ ويتبعه .. وهكذا حينما قال لسمعان بطرس وإندراوس أخيه " هلما ورائى ، فأجعلكما صيادى الناس "
المهم هو عمق الكلمة ، وقوة تأثيرها .
وليس عدد العظات أو عدد المؤلفات ، أو كثرة الأنشطة أو كثرة المؤسسات .. هذه هى الخدمة التى نريدها : أشخاص لهم قوة الروح ، يكرزون كرازة لها قوة التأثير ، وكلمتهم لا ترجع إليهم فارغة ، بل تأتى بثمر ، وثمر كثير ....
ما هى إذن عناصر القوة فى الخدمة ؟.
هى مقدار ما فى الخدمة من عمق ، ومن حب وبذل . وأيضاً ما فيها من تأثير ، ومن قدرة على تغيير النفوس إلى أفضل .
ومن الأمثلة على القوة فى العمل ، ذهاب أبينا إبراهيم ليقدم إبنه الوحيد اسحق محرقة حسب أمر الرب له .
لاشك أن أبانا إبراهيم قدم ذبائح لا نستطيع أن نحصيها ، فى كل مكان يذهب إليه . ولكن هذه الوحيدة هى التى لا يمكن أن تنسى وسط جميع ذبائحه . مع أنه كانت بمجرد النية و لم تتم !!
كانت هذه الذبيحة ( بالنية ) أعظم من جميع ذبائحه التي تمت فعلاً .
بل كانت أعظم من جميع الذبائح التي قدمها الناي طوال عصور التاريخ . و قد سجلها الكتاب ، كدرس للأجيال ، لأنها تحمل قوة لا يعبر عنها في الحب و البذل ، و في الطاعة و الإيمان ، و في ضبط النفس ...عمل اَخر له قوته ، هو تقديم الأرملة للفلسين . إنه مبلغ بسيط ، و لكنه كان من أ‘وازها . لذلك امتدحها الرب ، و اعتبر إنها قد أعطت أكثر من الجميع . القوة هنا هي نوعية العمل ، و ليس في كميته ... لأنها أعطت من أعوازها ، و هي محتاجة و فقيرة و أرملة .
و يمكن أن توجد للأرملة التي أعطت الفلسين ، أمثلة في الخدمة .
منها ذلك الخادم ، الذي لا يمكن أن يعتذر عن الخدمة ، و هو في أيام الامتحانات ، مع احتياجه لكل دقيقة للمذاكرة و المراجعة و الأستعداد للامتحانات... و لكنه يذهب إلي الخدمة . و لا ينسي له الله ذلك ابداً . لأن الوقت الذي أعطاه للخدمة ، قد أعطاه من أعوازه .. و مثله الذي يذهب إلي الخدمة . و هو مريض ، و محتاج إلي الراحة .و لكنه يبذل من هذه الراحة التي هي من أعوازه ، و يقدمها للخدمة . و بالمثل الموظف الفقير المحتاج ، الذي كل مرتبه لا يكفيه . و مع ذلك يقدم العشور ، و ربما يكون مديوناً وقتذاك
إن العطاء من الأعواز ، يدل علي حب و إيمان :
حب للذين يعطيهم ، و لله الذي أعطي الوصية . و إيمان بأن الله لابد أن يعوض ، و يبارك القليل . كما يدل هذا العطاء أيضاً علي اإهتمام بالغير أكثر من الذات ، ففيه إذن إنكار للذات . و هكذا فعلت أرمله صرفة صيدا ، حينما قدمت قليل الدقيق و الزيت الذي عندها لإيليا النبي ، أثناء المجاعة ...
قوة العمل تظهر ايضاً في قصة داود أمام جليات . . .
إن حروباً كثيرة عرفها العالم و سجلها التاريخ .و لكن لا يوجد فيها كلها ما يماثل جرب داود مع جليات ... كان داود طفلاً بالقياس لذلك الجبار . لم تكن له قوته و لا اسلحته ،و لا خبرته في الحروب ، ذلك الذي خاف منه كل الجيش ...
و لكن قوة داود كانت في غيرته و في إيمانه ...
غيرته في قوله " من هو هذا الأغلف حتي يعير شعب الله ؟! " و أيضاً في قوله " أنا أذهب و أحاربه " ... أما إيمانه ففي قوله لذلك الجبار " اليوم يحبسك الرب في يدي " " أنت تأتيني بسيف و رمح ،و أنا اَتيك باسم رب الجنود ..."من أجل قوة داود – في غيرته و إيمانه – هتفت النسوة قائلات "ضرب شاول ألوفه ، و داود ربواته " .. فما هي تلك الربوات ؟
كانت هذه المرة الوحيدة في حروب داود تساوي ربوات ...
كم من حرب خاضها داود ، و كم كانت له من انتصارات ، فيما بعد وهو قائد عظيم . و لكنها كلها لا تقاس بتلك الحصاة الملساء التي إرتكزت بإيمانه في رأس جليات ... كانت تساوي ربوات ، غذ كان لها عمق معين ، في غيرته التي لم تقبل تعييرات ذلك الجبار . كذلك كان هناك عمق اَخر في عدم خوفه ن و عدم رهبته للموقف ، بل تقدمه للصفوف بمقلاعه و حصوته بكل إيمان أن الله سيدفع الجبار إلي يده ، إلي يده الصغيرة الملساء مثل حصاته .! حقاً هذه قوة .ليست مجرد العمل ، بل القوة التي فيه ، الإيمان الذي فيه..
قوة الخدمة قد تظهر أيضاً في نتائجها :
مثل قوة القديس أثناسيوس الرسولي في الدفاع عن الإيمان . و كيف أنه استطاع أن يحول دفة الموقف كله . و كما قال عنه القديس جيروم : " مر وقت كاد فيه العالم كله أن يصبح أريوسياً ، لولا أثناسيوس " ... و بالمثل نقول عن قوة حياة القديس أنطونيوس الكبير ، التي جذبت بتأثيرها الكثيرين ، حتي إنتشرت تلك الحياة الملائكة في العالم أجمع ...
هناك خدمة قوية ،و لا يلاحظها الناس ، لأنها في الخفاء .
قد يكون هناك اجتماع ناجح ، و تلقي فيه عظة قوية لها تأثير عميق . و ربما يكون سبب هذا النجاح كله ، اجتماع صلاة من اجل الاجتماع . ركب منحنية أمام الله تصلي من أجل أن يمنح الله كلمة للواعظ و استجابة من المستمعين ... هؤلاء المصلون لا يراهم أحد ، و لكنهم يمثلون قوة في الخفاء ...
الناس يعجبون بالنجف الساطع الضياء ، و لا يرون الموتور المولد للكهرباء !
و يمتدحون الضياء الذي يرونه ، و لا يذكرون إطلاقاً المولد الكهربائي الذي هو سبب القوة . لكنه يعمل في الخفاء . إنها خدمة الأساس المخفي و ليس البناء الظاهر .و كم من خدمات قوية جداً تعمل في الخفاء ، و لا يراها أحد ، مثل إرجاع مرتد إلي الإيمان ، أو هداية فتاة منحلة ، أو مصالحة اسرة متخاصمة . إنها خدمة في الخفاء ، و لكنها قوية . و قد تكون وراءها خدمة أخري قوية ،و في الخفاء . و هي قداس مرفوع لأجلها ، و له قوته ...
هناك نوع اَخر من الخدمة القوية غير الظاهرة و هي الخدمة الفردية .
الناس دائماً يمتدحون الاجتماعات العامة القوية . و نادراً ما يلتفتون إلي الخدمة الفردية التي قد تكون أكثر وقعاً و تأثيراً و تأتي بنتيجة قوية في القيادة إلي الملكوت .و تدخل فيها أيضاً خدمة الافتقاد ،و الجلسة الروحية بين أحد الآباء الكهنة و أسرة من رعيته . تري لو خيرت بين إلقاء عظة في اجتماع يحضره المئات ، و خدمة فردية لشاب ضال ، أيهما تختار ؟ لعازر الدمشقي سافر في خدمة هامة لإختيار زوجة لاسحق أصبحت جدة للمسيح . و قد يسر الله طريقه . و لاشك أن ابانا ابراهيم كان يصلي بحرارة من أجل ذلك . و هناك نسأل :
أكان نجاح المهمة بسبب صلاة أبينا إبراهيم ، أم بإخلاص لعازر الدمشقي ؟
قطعاً كان النجاح بكليهما : بالعمل الظاهر للعازر في أمانته و محبته لسيده ن و في العمل المخفي لإبراهيم . و قبل كل شئ لنعمة الله الذي " يسر طريقه ، تتحد قوة العمل و قوة الصلاة .
هناك نوع اَخر من الخدمة القوية ، و هو خدمة القدوة و البركة .
خدمة القدوة هي خدمة صامته ، و لكنها ذات تاثير أقوي من خدمة الكلمة ، لأنه تقدم النموذج العملي للحياة الروحية ، و هو بلا شك أقوي من مجرد الكلام عن تلك الحياة ... أما خدمة البركة ، فتتجلي في حياة أولئك الذين كانوا بركة في أجيالهم ، و قال الرب أثناء شفاعة ابراهيم في مدينة سادوم "إن وجد عشرة (أبرار ) ، لا أهلك المدينة من أجل العشرة " ( تك 18 ) . لم يقل إن صلي هؤلاء العشرة من أجل المدينة ، و إنما إن وجدوا ، مجرد وجودهم هو خدمة كبيرة لأجل المدينة ... لا يهلكهم الرب لأجلهم ... كان إيليا بركة في بيت أرملة صرفة صيدا .و كان أليشع بركة في بيت . و كان يوسف الصديق بركة في أرض مصر . بل كان نوح بركة للعالم كله. من اجله استبقي الله حياة للبشر استمرت علي الأرض .
wageh- المساهمات : 138
تاريخ التسجيل : 27/07/2011
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى